الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
في المحرم: قدم البريد من حلب بموت خربندا وجلوس ولده أبي سعيد بعده. وفي يوم السبت ثالث عشريه: سمع بالقاهرة هدة عظيمة شبه الصاعقة وتبعها رعد ومطر كثير وبرد وغرقت بلبيس لكثرة المطر. وفي ثامن صفر: استقر شمس الدين محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع في قضاء الحنابلة بدمشق وجهز له توقيعه من القاهرة فلم يغير زيه واستمر يحمل ما يشتريه من السوق بنفسه ويجلس على ثوب يبسطه بيده في مجلس الحكم ويحمل نعله بيده. وفي أول ربيع الأول: فوضت إمرة العرب بالشام إلى الأمير شجاع الدين فضل بن عيسى بن مهنا. وفيه قدم البريد بوقوع المطر في قارا وحمص وبعلبك وفي بلاد حلب وإعزاز وحارم بخلاف المعهود وعقبه برد قدر النارنج فيها ما زنته ثلاث أواق دمشقية هلك بها من الناس والأَغنام والدواب شيء كثير. وخربت عدة ضياع وتلف من التركمان وأهل الضياع خلق كثير. وعقب هذا المطر نزول سمك كثير ما بين صغار وكبار بالحياة تناوله أهل الضياع واشتروه وأكلوه. وسقط بالمعرة وسرمين عقيب هذا المطر ضفادع كثيرة في غاية الكبر منها ميت ومنها بالحياة ثم نزل ثلج عظيم طم القرى وسد الطرقات والأودية وامتنع السفر حتى بعث النواب الرجال من البلاد والجبال مع الولاة بالمساحي وعملوا فيها حتى فتحت الطرقات. وفي سادس عشرى جمادى الأولى: استقر قاضي القضاة نجم الدين بن صصري في مشيخة الشيوخ بدمشق عوضاً عن شهاب الدين محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه البكاشغري. فيها رأى السلطان أن يقدم برشنبو النوبي وهو ابن أخت داود ملك النوبة فجهز صحبته الأمير عز الدين أيبك على عسكر. فلما بلغ ذلك كرنبس ملك النوبة بعث ابن أخته كنز الدولة بن شجاع الدين نصر بن فخر الدين مالك بن الكنز يسأل السلطان في أمره فاعتقل كنز الدولة. ووصل العسكر إلى دمقلة وقد فر كرنبس وأخوه أبرام فقبض عليهما وحملا إلى القاهرة فاعتقلا. وملك عبد اللّه برشنبو دمقلة ورجع العسكر في جمادى الأولى سنة سبع عشرة. وأفرج عن كنز الدولة فسار إلى دمقلة وجمع الناس وحارب برشنبو فخذله جماعته حتى قتل وملك كنز الدولة. فلما بلغ السلطان ذلك أطلق أبرام وبعثه إلى النوبة ووعده إن بعث إليه بكنز الدولة مقيداً أفرج عن أخيه كرنبس. فلما وصل أبرام خرج إليه كنز الدولة طائعاً فقبض عليه ليرسله فمات أبرام بعد ثلاثة أيام من قبضه فاجتمع أهل النوبة على كنز الدولة وفيها أخذ عرب برية عيذاب رسل صاحب اليمن وعدة من التجار وجميع ما معهم فبعث السلطان العسكر وهم خمسمائة فارس عليهم الأمير علاء الدين مغلطاي بن أمير مجلس في العشرين من شوال فساروا إلى قوص ومضوا منها في أوائل المحرم سنة سبع عشرة إلى صحراء عيذاب ومضوا إلى سواكن حتى التقوا بطائفة يقال لها حي الهلبكسة وهم نحو الألفي راكب على الهجن بحراب ومزاريق في خلق من المشاة عرايا الأبدان فلم يثبتوا لدق الطبول ورمى النشاب وانهزموا بعد ما قتل منهم عدد كبير. وسار العسكر إلى ناحية الأبواب ثم مضوا إلى دمقلة وعادوا إلى القاهرة تاسع جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وكانت غيبتهم ثمانية أشهر. وكثرة الشكاية من الأمير علاء الدين مغلطاي بن أمير مجلس مقدم عسكرهم فأخرج إلى دمشق. وفيها أغار من الططر نحو ألف فارس على أطراف بلاد حلب ونهبوا إلى قرب قلعة كمختا فقاتلهم التركمان وقتلوا كثيرا منهم وأسروا ستة وخمسين من أعيانهم وغنموا ما كان معهم فقدمت الأسرى إلى القاهرة في صفر سنة سبع عشرة. وفيها هبت ريح سوداء مظلمة بأرض أسوان وسود وإسنا وأرمنت وقدحت لشدة حرها نار عظيمة أحرقت عدة أجران من الغلال. ثم أمطرت السماء فعقب ذلك وباء هلك فيه وفيها أفرج عن الأمير بكتمر الحسامي الحاجب. وخلع عليه في يوم الخميس ثالث عشر شوال بنيابة صفد واًنعم عليه بمائتي ألف درهم فسار على البريد ودخلها في آخر ذي الحجة. وكان بكتمر في مدة اعتقاله مكرماً لم يفقد غير ركوب الخيل وبعث إليه السلطان بجارية حبلت منه في الاعتقال وولدت ولداً سماه ناصر الدين محمداً فكانت مدة سجنه سنة وسبعة أشهر وأياماً. وفيها ولي الأمير سيف الدين أرقطاي نيابة حمص في تاسع رجب عوضاً عن شهاب الدين قرطاي بحكم انتقاله إلى نيابة طرابلس في جمادى الآخرة. رفيها أخرجت قطيا عن الأجناد وأضيفت إلى الخاص وخرج إليها ناظر وشاد. وعوض الأجناد بجهات في القاهرة بعد عرضهم على السلطان وأعطى كل منهم نظير ما كان له. وفيها توجه الأمير بهاء الدين أرسلان الدوادار إلى الأمير مهنا وعاد. وفيها أفرج عن الأمير كراي المنصوري والأمير سنقر الكمالي من سجن الكرك وقدما إلى القاهرة فسجنا بالقلعة ومعهما نساؤهما. وفيها قدمت رسل أزبك ورسل ملك الكرج ورسل طغاي قريب أزبك بهدايا فأجيبوا وسيرت إليهم الهدايا. فاجتمع هذه السنة ثمانية رسل وهم رسل جوبان وأبي سعيد وأزبك وطغاي وصاحب برشلونة وصاحب إسطنبول وصاحب النوبة وملك الكرج وكلهم يبذل الطاعة و لم يتفق في الدولة التركية مثل ذلك وأكثر ما اجتمع في الأيام الظاهرية خمسة رسل. وفيها سافر في الرسلية إلى بلاد أزبك الأمير علاء الدين أيدعدي الخوارزمي مملوك يازي ومعه حسين بن صاروا أحد مقدمي الحلقة بالهدية في آخر المحرم وهي مائتا عدة كاملة ما بين جوشن وخوذة وبركستوان وخلعة كاملة التحتاني أطلس أحمر مزركش وشاش كافوري وبلغطاق فوقاني مفرج مقصب محقق بطرز ذهب وكلفتاه ذهب وحياصة ذهب وفرس مسرجة ملجمة بذهب مرصع وجتر وسيف بحلية ذهب وسار معهم بطرك الملكية. وفيها قدمت أم الأمير بكتمر الساقي. وفيها تغير السلطان على الأمير سيف الدين طغاي وضربه بيده بالمقرعة على رأسه ثم رضي عنه وخلع عليه. وفيها صرف بهادر الإبراهيمي من نقابة المماليك وبقي على إمرته وولى عوضه دقماق نقابة المماليك. وفيها مرضت زوجة الأمير طغاي فعادها السلطان مراراً فلما ماتت نزل الأمراء كلهم وفيها سار السلطان إلى الصيد في يوم الجمعة سابع شعبان وتوجه إلى بلاد الصعيد. وعاد إلى قلعة الجبل يوم الإثنين تاسع عشر رمضان وأعطى الأمراء دستوراً ونزل تحت الأهرام. وفيها توجه كريم الدين إلى الإسكندرية وعاد وهو متوعك فخلع السلطان عليه فرجية أطلس أبيض بطراز وأنعم عليه بعشرة آلاف درهم. وكان وفاء النيل يوم الأربعاء حادي عشرى جمادى الأولى - في ثامن عشر مسري - بعد أن بلغ في يوم الثلاثاء أربع عشرة إصبعاً من ستة عشر ذراعاً. فانقطع الجسر المجاور للقناطر الأربعين بالجيزة فنقص عدة أصابع وجمع لسده خلق كثير غرق منهم نحو ثلاثين رجلاً في ساعة واحدة انطبق عليهم الجسر. ثم جمع من مصر رجال كثيرة وكتفوا وأنزلوا في مركب وعدتهم سبعون رجلاً فانقلبت بهم المركب فغرقوا بأجمعهم في يوم السبت سابع عشره. ثم زاد النيل حتى أوفى. وفيها قطعت أرزاق المرتزفة من أرباب الرواتب لاستقبال المحرم وعوضوا على جهات أجودها نسترواة فصارت سنتهم ثمانية أشهر. وتولى ذلك الصاحب سعد الدين محمد بن عطايا والسعيد مستوفي الرواتب. ومنع شهر المحرم وصولح من له راتب بثلث المدة - وهي شهران وثلثا شهر - وأحيلوا على المطابخ وثمنت عليهم قطارة فحصل من كل دينار سدسه. ونزل بالناس من ذلك شدة وحصلت ذلة للحرم والأيتام وسماهما الناس سعد الذابح وسعد بلع وشافهوهما بكل مكروه. وفيها قدم الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة في تاسع عشر جمادى الأولى ونزل بمناظر الكبش وحمل تقدمته في غده وسار في تاسع عشر جمادى الآخرة. وفيها لعب السلطان بالميدان الجديد تحت القلعة في يوم السبت ثامن جمادى الآخرة وخلع على الأمراء وعلى الملك المؤيد صاحب حماة. وفيها استقر الصاحب أمين الدين بن الغنام ناظر الدواوين بمفرده في خامس عشر رجب بعد موت التقي أسعد كاتب برلغي. وفيها سافر الفخر ناظر الجيش وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة إلى القدس وقدم ابن جماعة في تاسع عشرى رمضان. وفيه استقر العلم أبو شاكر بن سعيد الدولة في نظر البيوت واستقر كريم الدين أكرم الصغير في نظر الدواوين شريكاً لأمين الدين في يوم الأحد أول ذي القعدة. وفيه توجه الأمير أرغون النائب إلى الحجاز. عز الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن أحمد بن ميسر المصري بدمشق في ليلة الإثنين أول رجب ومولده بمصر في حادي عشرى رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة وكان فاضلاً جليل القدر ولي نظر الدواوين بمصر وولي نظر الشام وطرابلس وإسكندرية ثم تغيرت حالته وانحطت رتبته واستقر في نظر أوقاف دمشق مع الحسبة وكان عاقلاً خبيراً بالولايات وفيه لين وسكون ومروءة وسماح لمن تحت يده من المباشرين. ومال صدر الدين أبو الفداء إسماعيل بن يوسف بن أبي اليسر مكتوم بن أحمد القيسي السويدي الدمشقي في ليلة السبت ثالث عشرى شوال بدمشق كان فقيهاً مقرئاً محدثاً درس وانفرد بالرواية عن جماعة. ومات الأمير جمال الدين أقوش الأفرم أحد مماليك المنصور قلاوون وكان نائب دمشق في ثالث عشرى المحرم بهمذان. ومات الشيخ نجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي البغدادي الحنبلي في رجب ببلد الخليل عليه السلام أقام بالقاهرة مدة وامتحن بها. ومات شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر الخطيري الدمشقي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة حدث وولي نظر الخزانة بدمشق وكذلك نظر الجامع الأموي والمارستان النووي بها وكان ديناً صيناً. ابن وداعة - الأديب البارع المقرئ ومات الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن مكي - المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل - في يوم الأربعاء رابع عشرى ذي الحجة بالقاهرة ومولده بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة واستقر بعده في تدريس الزاوية بجامع عمرو شهاب الدين بن الأنصاري وفي تدريس المجدية شمس الدين محمد بن اللبان. وقتل بالكرك من الأمراء سيف الدين أسندمر كرجي وسيف الدين بينجار المنصوري وبكتوت الشجاعي وبيبرس العلمي وبيبرس المجنون وقطلوبك الكبير وبكتمر الجوكندار نائب السلطنة وبلبان طرنا خنقوا في ليلة واحدة. ومات بطرابلس نائبها الأمير سيف الدين كستاي الناصري في تاسع جمادى الآخرة واستقر عوضه الأمير شهاب الدين قرطاي الصالحي نائب حمص وولي حمص أرقطاي الجمدار. ومات الأمير سيف الدين طقتمر الدمشقي طنبغا الشمسي أحد أمراء مصر وكان حشماً عاقلاً. ومات الصاحب ضياء الدين أبو بكر بن عبد الله بن أحمد بن منصور بن شهاب النشائي وزير مصر في يوم الإثنين تاسع عشرى رمضان وكان قد ولي التدريس بالمدرسة التي بجوار الشافعي بالقرافة ومشيخه الميعاد بالجامع الطولوني ونظر الأحباس ونظر الخزانة وكان مشكور السيرة فقيهاً فاضلاً إماماً في الفرائض مشاركاً في علم الحديث كثير الصدقة وقال بعض الشعراء يرثيه: إن بكى الناس بالمدامع حمرا فهو شيء يقال من حناء فاختم الدست بالنشائي فإني لأرى الختم دائماً بالنشاء وكان في وزارته غير نافذ الأمر و قال فيه أحمد بن عبد الدائم الشارمساحي من أبيات: زقوا منصب الوزارة حتى لزقوها وقتنا بالنشاء وولي بعده نظر الخزانة تقي الدين أحمد بن قاضي القضاة عز الدين عمر بن عبد الله الحنبلي. ومات تقي الدين أسعد الأحوال بن أمين الملك - المعروف بكاتب برلغي - ناظر الدواوين في ليلة الإثنين ثامن شهر رجب فاستقر بعده الصاحب أمين الدين بن الغنام والتقى هذا هو الذي كان سبب الروك بتحسينه عمل ذلك للسلطان وهو الذي أدخل جهات المكوس في ديوان الوزارة وجعلها برسم المطبخ وفرق جوالي الذمة في الإقطاعات بعدما كانت قلماً مفرداً فما زال رجال الدولة بالسلطان حتى تنكر عليه وسبه ولعنه وهدده بالقتل فأثر فيه الخوف ولزم فراشه حتى مات وكان من الظلمة اللئام واستسلمه الأمير برلغي ولم يوجد له بعد موته شيء سوى دواة وأثاث لم تبلغ قيمته مائتي درهم. ومات ناصر الدين أبو بكر بن عمر بن السلار - بتشديد اللام بعد السين المهملة - في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم ومولده ليلة الاثنين تاسع عشر رمضان سنة اثنتين وخمسين وستمائة بدمشق وكان أديباً بارعاً بديع الكتابة وتفتن في عدة فضائل وهو من بيت إمارة ومن شعره: لعمرك ما مصر بمصر وإنما هي الجنة الدنيا لمن يتبصر فأولادها الوالدان من نسل آدم وروضتها الفردوس والنيل كوثر ومات الطواشي ظهير الدين مختار المنصوري - المعروف بالبلبيسي - الخازندار بدمشق في عاشر شعبان وكان يقراً القرآن وفيه شجاعة وشهامة وفرق ماله على عتقائه قبل موته ووقف أملاكه على تربته. ومات الأمير بدر الدين محمد بن كيدغدي بن الوزيري بدمشق في سادس عشر شعبان. وماتت المسندة المعمرة ست الوزراء أم محمد وتدعى وزيرة ابنة عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية بدمشق في ثامن عشر شعبان ومولدها في سنة أربع وعشرين وستمائة وحدثت بصحيح البخاري في القاهرة ومصر وقلعة الجبل سنة خمس وسبعمائة. ومات القاضي فخر الدين علي ابن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن دقيق العيد في يوم الثلاثاء عشرى رمضان. ومولده بقوص سنة تسع وخمسين وستمائة وانقطع بعد أبيه للأشغال ودرس بالكهاربة من القاهرة. ومات الكاتب المجود نجم الدين موسى بن على بن محمد بن البصير الدمشقي بها في عاشر ذي القعدة وولد سنة إحدى وخمسين وستمائة وكان شيخ الكتابة بدمشق. ومات نجاد بن أحمد بن حجي أمير آل مرا وحضر ثابت بن عساف بن أحمد بن حجي إلى القاهرة واستقر عوضه. وقتل سيف الدين خاص بك في يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى ضربت عنقه وكان ممن فر إلى بلاد المغرب وقبض عليه. ومات الشيخ نور الدين الكناني المقرئ ليلة الأربعاء عشرى جمادى الأولى بروضة مصر. مات سراج الدين عمر الأسعردي في يوم الأربعاء ثالث رجب. ومات الطواشي شبل الدولة كافور الطيبرسي - الشهير بالعاجي - يوم الخميس ثامن عشر رجب. ومات جمال الدين عبد اللّه بن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة يوم الثلاثاء رابع عشرى رجب. ومات شهاب الدين أحمد بن العسقلاني إمام جامع المنشاة يوم الأربعاء سلخ رجب. ومات شهاب الدين محمد بن عبد الحميد - المتصدر بجامع عمرو - بمصر يوم الأحد تاسع عشر شعبان ومولده سنة أربع وعشرين وستمائة وكان معتقداً.
|